السرّ والمصارحة في الأسرة
סוד ושיח במשפחה – טלי ארד שטייניץيجمع المهنيون بمختلف اتجاهاتهم، أنه من الأسلم والأصح والأنفع لكافة أفراد الأسرة، أن يعلموا بأمر المرض!!!
سوف أحاول التأكيد على هذا الموقف من خلال استعراض التأثير الكامن في الحوار المفتوح بين أفراد الأسرة، في مقابل التداعيات التي تخلّفها رغبة المريض بكتمان السر عن الأسرة. عندما يعرض الأهل موقفهم من موضوع الحوار عن التصلّب المتعدّد، فإن الحجّّة الرئيسية التي يطرحونها هي مصلحة الأولاد. في واقع الأمر، ثمّة حالات كثيرة ندير فيها نقاشنا معتمدين منطق الوالدين، وفي الوقت نفسه تتخلّل أنظمة اعتباراتنا حسابات لا تنبع من التفكير المنطقي، بقدر صدورها عن مشاعرنا الشخصية. فالقرارات التي نتّخذها، تتأثّر إلى حد كبير باحتياجاتنا وتطلّعاتنا من جهة، ومن مخاوفنا وشكوكنا من الجهة الأخرى.
أشير هنا إلى مركّبين هامين يؤثران على الذات الإنسانية، وفق نظرية أَدْلِر:
المركّب الأول يتمثّل في الحاجة للانتماء: كل شخص يولد ويترعرع يشعر بحاجة إلى الانتماء إلى عائلته، ولهذا الشعور أهمية خاصة، تماما كأهمية الشمس والمياه لنمو الشتلة، بل إن مجمل نمو الولد وثقته بالنفس يعتمد على هذه “الصلة” بينه وبين أهله. المركب الثاني يتمثّل في الذات الخلاقة: الولد، كما كل واحد منا، نحن البالغين، مخلوق يختلف عن كل من حوله، هو فريد من نوعه ومميّز. فيما هو مميّز؟ بسلوكه، ونمط تفكيره، وقالب أحاسيسه، وشكل رؤيته إلى بيئته وتحليله لها. لكل ولد ولكل إنسان طريق خاصة به يرى من منظارها ويحس ويفسر ما يجري حوله.
ثمّة عدة احتمالات لوجود “السرّ” في الأسرة:
1. يعرف الولد أن أحد والدَيه مصاب بمرض التصلب المتعدد، لكنهما يختاران أن لا يثيرا الموضوع.
2. يعرف الولد أن أحد والديه مصاب بمرض، لكنه لا يعرف بأي مرض وما هي سمات هذا المرض.
3. يتصرّف الولد وكأنه “ليس على علم” بمرض أحد والديه.
لماذا نذهب بهذا المنحى، لماذا نكتم أمر المرض؟
يعود ذلك إلى إحساسنا بطبيعة وظيفتنا كوالدين: · فنحن نريد حماية أولادنا، نريد أن نمكّنهم من ممارسة حيواتهم بشكل طبيعي، أن يكون كل شيء “كما عند كل الباقين”.
– نريد أن نصون صورة ولي الأمر القوي، حفاظًا على متانة ولدنا.
ويعود كذلك إلى المخاوف التي تراودنا:
– فنحن نخشى أن نفقد احترام أولادنا لنا، صورتنا في عيونهم، شعورنا بقيمة ذواتنا.
– نخشى أن نرى الألم في عيونهم، الخوف في نفوسهم، لأن ذلك سوف يذكرننا بألمنا الشخصي وخوفنا نحن.
يخلّف كتمان السر تداعيات!
علام يفكر الولد وما هو شعوره عندما يخمّن أن هناك سرًّا في البيت؟
فالولد سرعان ما يحزر أن في البيت سرا أو أسرارا، يتكلّم الجميع عنها، لكنهم يصمتون فجأة عندما يدخل هو إلى الغرفة. هل سوف يشعر الولد في هذه الحالة ويعتقد أنه “متساوٍ ومقرَّب ومقدََّر في البيت؟”. لاحظوا أن ولدكم جرّب تجربته هو – الشخصية والخاصة به، لا تجربتكم أنتم، ولم يستنتج أنكم ترغبون في حمايته. فللولد تأويله لمحاولات الإخفاء التي يلاحظها، علمًا أنه يستقرئ في الإخفاء محاولةً لإبعاده وعزله، ما يلحق الضرر بشعوره بالانتماء والقيمة الذاتية.
أما بخصوص الأفكار التي تراوده بشأن “السر” – فالأولاد يميلون إلى استكمال المعلومات الجزئية التي يملكونها باعتماد خيالهم. فيقومون بجمع الكلمات المتقطّعة ليكوّنوا منها صورة شاملة، صورة قد تكون صعبة وتخلّف جرحا عميقا، دون أن تدروا أنتم بالأمر. علامَ يفكر، وما هي الهواجس التي تنتابه – لا علم لكم، ولستم قادرين على حمايته.. إلا إذا تحدّثتم معه وصارحتموه بالموضوع.
سوف يواصل الولد القيام بدوره! لأن هذا ما فهمه من والديه “نحن لا نتكلم عن المرض”، أو “ممنوع أن أتكلم عن المرض”، وبالتالي: “المرض أمر فظيع، وممنوع التكلم عنه”.
ما هي الوسائل للتعاطي مع حالة كهذه؟
بإمكاننا أن نفعل ذلك من خلال بناء العلاقة والتواصل
العلاقة = صلة، وهي تنشأ وتبنى من خلال التواصل.
التواصل يقوم على محورين اثنين: الإصغاء والحوار. وتحكم جودة الحوار والإصغاء نوع الصلة الناشئة. إذ لا يمكن للصلة أن تكون ذات قيمة إلا إذا صاحبها إصغاء جيد ومشاركة على المستوى الشخصي، وإذا ما كان بالإمكان إجراء محادثة سليمة وتقديم الاستشارة، فضلا عن طلب المساعدة.
ما هي الاستحقاقات الحقيقية التي يتوجّب علينا كوالدين أن نقوم بها تجاه أولادنا؟ يتوجّب علينا أن نعلّم أولادنا التعاطي مع الحياة، فالحياة تضم دائما السوء والخير، ويتعيّن عليهم أن ينمّوا في أنفسهم قدرة على التعاطي. أين لهم أن يتعلموا ذلك؟ في البيت! في البيت فقط!
في كل سوء شيء من الخير.
فكل مشكلة نواجهها تضع أمامنا تحدّيًا وفرصة للنضوج.
أن تتكلّموا مع أولادكم عن المرض ينطوي على تحدٍّ يواجهكم، وتكمن فيه فرصة لكم ولهم للنضوج. لا تفوّتوها عليكم!
أورد فيما يلي بعض النصائح لخلق الحوار بينكم وبين أولادكم:
1. استعينوا بكرّاسات الجمعية، حيث يمكنكم الحصول على توجيه يتناسب وسنّ ولدكم.
2. يستحسَن أن تصارحوا الولد في سنّ مبكّرة. فبقدر ما الولد صغير بالسنّ، تتّسم أفكاره بمرونة أكبر، فهو يتلقّى الأمور على حالها ويتكيّف إليها.
3. يفضَّل الحديث عن المرض في مراحل ظهوره الأولى، لكي يكون هناك متوفّر من الوقت أمام الولد للتكيّف للمرض، ما دام الضرر الذي يتسبّب به لكم ولحياتكم اليومية ليس بالغا.
4. يجدر أن تختاروا الظروف والبيئة المريحة للمصارحة: جِدوا أو خطِّطوا الوقت والمكان والبيئة الإنسانية المريحة لكم ولأولادكم.
5. من المهم أن تبلّغوه في القريب العاجل أنه مدعوّ للحديث وطرح الأسئلة ولسؤاله عن مشاعره.
6. إذا كنتم تشعرون أنكم بحاجة إلى إعداد وجداني وعملي، توجّهوا إلى شخص مهني. لا شك أنه من المفيد أن تشاركوا في ورشة دعم للأهل، تساعدكم في تدبُّر أمركم عند الحديث مع الأولاد وإنشاء قاعدة تواصل صريح في البيت.
أثبتت الأبحاث أنه في كل حالة ومعضلة،
الأولاد الذين لا يتم إشراكهم ومصارحتهم، يتفاقم فيهم الشعور بالخوف والضائقة!
فَهَلُمّ، وبالتوفيق